نسائم الرحمة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المنتدى خاص بمراسلاتي للمجموعات


    صهيب بن سنان

    avatar
    د. عمرو عبد المنعم
    Admin


    المساهمات : 280
    تاريخ التسجيل : 25/05/2010
    الموقع : http://groups.google.com/group/7amel?hl=ar

    صهيب بن سنان Empty صهيب بن سنان

    مُساهمة من طرف د. عمرو عبد المنعم الإثنين مايو 31, 2010 4:20 am

    صهيب بن سنان


    ولد في أحضان النعيم..
    فقد اكن أبوه حاكم الأبلّة ووليا عليها لكسرى.. وكان من العرب الذبن نزحوا الى
    العراق قبل الاسلام بعهد طوبل، وفي قصره القائم على شاطئ الفرات، مما بلي
    الجزبرة والموصل، عاش الطفل ناعما سعبدا..
    وذات يوم تعرضت البلاد لهجوم الروم.. وأسر المغيرون أعدادا كثيرة وسبوا ذلك
    الغلام " صهيب بن سنان"..
    ويقتنصه تجار الرقيق، وينتهي طوافه الى مكة، حيث بيع لعبد لله بن جدعان، بعد أن
    قضى طفولته وشبابه في بلاد الروم، حتى أخذ لسانهم ولهجتهم.
    ويعجب سيده بذكائه ونشاطه واخلاصه، فيعتقه ويحرره، ويهيء له فرصة الاتجار
    معه.
    وذات يوم.. ولندع صديقه عمار بن ياسر يحدثنا عن ذلك اليوم:
    " لقيت صهيب بن سنان على باب دار الأرقم، ورسول لله صلى لله عليه وسلم فيها..
    فقلت له: ماذا تريد..؟
    فأجابني وما تريد أنت..؟
    قلت له: أريد أن أدخل على محمد، فأسمع ما يقول.
    قال: وأنا اريد ذلك..
    فدخلنا على الرسول صلى لله عليه وسلم، فعرض علينا الاسلام فأسلمنا.
    ثم مكثنا على ذلك حتى أمسينا..
    ثم خرجنا ونحن مستخفيان".!!
    عرف صهيب طريقه اذن الى دار الأرقم..
    عرف طريقه الى الهدى والنور، وأيضا الى التضحية الشاقة والفداء العظيم..
    ٢
    فعبور الباب الخشبي الذي كان يفضل داخل دار الأرقم عن خارجها لم يكن يعني
    مجرّد تخطي عتبة.. بل كان يعني تخطي حدود عالم بأسره..!
    عالم قديم بكل ما يمثله من دين وخلق، ونظام وحياة..
    وتخطي عتبة دار الأرقم، التي لم يكن عرضها ليزيد عن قدم واحدة كان يعني في
    حقيقة الأمر وواقعه عبور خضمّ من الأهوال، واسع، وعريض..
    واقتحام تلك العتبة، كان ايذانا بعهد زاخر بالمسؤليات الجسام..!
    وبالنسبة للفقراء، والغرباء، والرقيق، كان اقتحام عقبة دار الأرقم يعني تضحية تفوق
    كل مألوف من طاقات البشر.
    وان صاحبنا صهيبا لرجل غريب.. وصديقه الذي لقيه على باب الدار، عمار بن
    ياسر رجل فقير.. فما بالهما يستقبلان الهول ويشمّران سواعدهما لملاقاته..؟؟
    انه نداء الايمان الذي لا يقاوم..
    وانها شمائل محمد عليه الصلاة والسلام، الذي يملؤ عبيرها أفئدة الأبرار هدى
    وحبا..
    وانها روعة الجديد المشرق. تبهر عقولا سئمت عفونة القديم، وضلاله وافلاسه..
    وانها قبل هذا كله رحمة لله يصيب بها من يشاء.. وهداه يهدي اليه من ينيب...
    أخذ صهيب مكانه في قافلة المؤمنين..
    وأخذ مكانا فسيحا وعاليا بين صفوف المضطهدين والمعذبين..!!
    ومكانا عاليا كذلك بين صفوف الباذلين والمفتدين..
    وانه ليتحدث صادقا عن ولائه العظيم لمسؤولياته كمسلم بايع الرسول، وسار تحت
    راية الاسلام فيقول:
    " لم يشهد رسول لله صلى لله عليه وسلم مشهدا قط الا كنت حاضره..
    ولم يبايع بيعة قط الا كنت حاضرها..
    ولا يسر سرية قط. الا كنت حاضرها..
    ولا غزا غزاة قط، أوّل الزمان وآخره، الا كنت فيها عن يمينه أو شماله..
    وما خاف المسلمون أمامهم قط، الا كنت أمامهم..
    ولا خافوا وراءهم الا كنت وراءهم..
    وما جعلت رسول لله صلى لله عليه وسلم بيني وبين لعدوّ أبدا حتى لقي ربه"..!!
    هذه صورة باهرة، لايمان فذ وولاء عظيم..
    ولقد كان صهيب رضي لله عنه وعن اخوانه أجمعين، أهلا لهذا الايمان المتفوق من
    أول يوم استقبل فيه نور لله، ووضع يمينه في يمين الرسول..
    يومئذ أخذت علاقاته بالناس، وبالدنيا، بل وبنفسه، طابعا جديدا. يومئذ. امتشق نفسا
    صلبة، زاهدة متفانية. وراح يستقبل بها الأحداث فيطوعها. والأهوال فيروّعها.
    ولقد مضى يواجه تبعاته في اقدام وجسور فلا يتخلف عن مشهد ولا عن خطر..
    مصرفا ولعه وشغفه عن الغنائم الى المغارم.. وعن شهوة الحياة، الى عشق الخطر
    وحب الموت..
    ٣
    ولقد افتتح أيام نضاله النبيل وولائه الجليل بيوم هجرته، ففي ذلك اليوم تخلى عن
    كل ثروته وجميع ذهبه الذي أفاءته عليه تجارته الرابحة خلال سنوات كثيرة قضاها
    في مكة.. تخلى عن كل هذه الثروة وهي كل ما يملك في لحظة لم يشب جلالها تردد
    ولا نكوص.
    فعندما همّ الرسول بالهجرة، علم صهيب بها، وكان المفروض أن يكون ثالث ثلاثة،
    هم الرسول.. وأبو بكر.. وصهيب..
    بيد أن القرشيين كانوا قد بيتوا أمرهم لمنع هجرة الرسول..
    ووقع صهيب في بعض فخاخهم، فعوّق عن الهجرة بعض الوقت بينما كان الرسول
    وصاحبه قد اتخذا سبيلهما على بركة لله..
    وحاور صهيب وداور، حتى استطاع أن يفلت من شانئيه، وامتطى ظهر ناقته،
    وانطلق بها الصحراء وثبا..
    بيد أن قريشا أرسلت في أثره قناصتها فأدركوه.. ولم يكد صهيب یراهم ويواجههم من
    قريب حتى صاح فيهم قائلا:
    " يا معشر قريش..
    لقد علمتم أني من أرماكم رجلا.. وأيم لله لا تصلون اليّ حتى ارمي بكل سهم معي
    في كنانتي ثم أضربكم بسيفي حتى لا يبقى في يدي منه شيء، فأقدموا ان شئتم..
    وان شئتم دللتكم على مالي، وتتركوني وشاني"..
    ولقد شاوروا أنفسهم، وقبلوا أن يأخذوا ماله قائلين له:
    أتيتنا صعلوكا فقيرا، فكثر مالك عندنا، وبلغت بيننا ما بلغت، والآن تنطلق بنفسك
    وبمالك..؟؟
    فدلهم على المكان الذي خبأ فيه ثروته، وتركوه وشأنه، وقفلوا الى مكة راجعين..
    والعجب أنهم صدقوا قوله في غير شك، وفي غير حذر، فلم يسألوه بينّة.. بل ولم
    يستحلفوه على صدقه..!! وهذا موقف يضفي على صهيب كثيرا من العظمة يستحقها
    كونه صادق وأمين..!!
    واستأنف صهيب هجرته وحيدا سعيدا، حتى أدرك الرسول صلى لله عليه وسلم في
    قباء..
    كان الرسول جالسا وحوله بعض أصحابه حين أهل عليهم صهيب ولم يكد يراه
    الرسول حتى ناداه متهللا:
    " ربح البيع أبا يحيى..!!
    ربح البيع أبا يحيى..!!
    وحينئذ نزلت الآية الكريمة:
    ( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات لله، ولله رؤوف بالعباد)..
    ٤
    أجل لقد اشترى صهيب نفسه المؤمنة ابتغاء مرضات لله بكل ثروته التي أنفق
    شبابه في جمعها، ولم يحس قط أنه المغبون..
    فما المال، وما الذهب وما الدنيا كلها، اذا بقي له ايمانه، واذا بقيت لضميره سيادته..
    ولمصيره ارادته..؟؟
    كان الرسول يحبه كثيرا.. وكان صهيب الى جانب ورعه وتقواه، خفيف الروح،
    حاضر النكتة..
    رآه الرسول يأكل رطبا، وكان باحدى عينيه رمد..
    فقال له الرسول ضاحكا:" أتأكل الرطب وفي عينيك رمد"..؟
    فأجاب قائلا:" وأي بأس..؟ اني آكله بعيني الآخرى"..!!
    وكان جوّادا معطاء.. ينفق كل عطائه من بيت المال في سبيل لله، يعين محتاجا..
    يغيث مكروبا.." ويطعم الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا".
    حتى لقد أثار سخاؤه المفرط انتباه عمر فقال له: أراك تطعم كثيرا حتى انك
    لتسرف..؟
    فأجابه صهيب لقد سمعت رسول لله يقول:
    " خياركم من أطعم الطعام".
    ولئن كانت حياة صهيب مترعة بالمزايا والعظائم، فان اختيار عمر بن الخطاب اياه
    ليؤم المسلمين في الصلاة مزية تملأ حياته ألفة وعظمة..
    فعندما اعتدي على أمير المؤمنين وهو يصلي بالمسلمين صلاة الفجر..
    وعندما احس نهاية الأجل، فراح يلقي على اصحابه وصيته وكلماته الأخيرة قال:
    " وليصلّ بالناس صهيب"..
    لقد اختار عمر يومئذ ستة من الصحابة، ووكل اليهم أمر الخليفة الجديد..
    وخليفة المسلمين هو الذي يؤمهم في الصلاة، ففي الأيام الشاغرة بين وفاة أمير
    المؤمنين، واختيار الخليفة الجديد، من يؤم المسلمين في الصلاة..؟
    ان عمر وخاصة في تلك اللحظات التي تأخذ فيها روحه الطاهرة طريقها الى لله
    ليستأني ألف مرة قبل أن يختار.. فاذا اختار، فلا أحد هناك أوفر حظا ممن يقع عليه
    الاختيار..
    ولقد اختار عمر صهيبا..
    اختاره ليكون امام المسلمين في الصلاة حتى ينهض الخليفة الجديد.. بأعباء مهمته..
    اختاره وهو يعلم أن في لسانه عجمة، فكان هذا الاختيار من تمام نعمة لله على عبده
    الصالح صهيب بن سنان..

      الوقت/التاريخ الآن هو الثلاثاء مايو 14, 2024 5:16 pm