نسائم الرحمة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المنتدى خاص بمراسلاتي للمجموعات


    باب ما جاء في الرياء

    avatar
    د. عمرو عبد المنعم
    Admin


    المساهمات : 280
    تاريخ التسجيل : 25/05/2010
    الموقع : http://groups.google.com/group/7amel?hl=ar

    باب ما جاء في الرياء Empty باب ما جاء في الرياء

    مُساهمة من طرف د. عمرو عبد المنعم الأربعاء يونيو 02, 2010 11:18 pm

    باب ما جاء في الرياء


    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

    --------------------------------------------------------------------------------

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله وحده , والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه , أما بعد :

    باب ما جاء في الرياء


    قوله : ( باب : ما جاء في الرياء )

    أي : من النهي والتحذير . قال الحافظ : هو مشتق من الرؤية . والمراد به : إظهار العبادة لقصد رؤية الناس لها فيحمدون صاحبها . والفرق بينه وبين السمعة : أن الرياء لما يرى من العمل كالصلاة . والسمعة لما يسمع كالقراءة والوعظ والذكر ، ويدخل في ذلك التحدث بما عمله .

    وقول الله تعالى : (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴿110﴾ ‏) [ الكهف ] .

    قوله : " وقول الله تعالى : ( قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد )
    أي : ليس لي من الربوبية ولا من الإلهية شئ ، بل ذلك كله لله وحده لا شريك له , أوحاه إلي ( فمن كان يرجوا لقاء ربه ) أي : يخافه : ( فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً ).

    قوله : (( أحداً )) نكرة في سياق النهي تعم ، وهذا العموم يتناول الأنبياء والملائكة والصالحين والأولياء وغيرهم .

    قال شيخ الإسلام رحمه الله : أما اللقاء : فقد فسره طائفة من السلف والخلف بما يتضمن المعاينة ، وقالوا : لقاء الله يتضمن رؤيته سبحانه وتعالى يوم القيامة ، وذكر الأدلة على ذلك .

    قال ابن القيم رحمه الله في الآية : أي كما أن الله واحد لا إله سواه ، فكذلك ينبغي أن تكون العبادة له وحده لا شريك له ، فكما تفرد بالإلهية يجب أن يفرد بالعبودية ، فالعمل الصالح : هو الخالص من الرياء المقيد بالسنة .

    وفي الآية دليل على أن أصل الدين الذي بعث الله به رسول الله صلى الله عليه وسلم والمرسلين قبله ، هو إفراده تعالى بأنواع العبادة ، كما قال تعالى : ( وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ) [ الأنبياء : 25 ] .

    والمخالف لهذا الأصل من هذه الأمة أقسام : إما طاغوت ينازع الله في ربوبيته وإلهيته ، ويدعو الناس إلى عبادته ، أو طاغوت يدعو الناس إلى عبادة الأوثان ، أو مشرك يدعو غير الله ويتقرب إليه بأنواع العبادة أو بعضها ، أو شاك في التوحيد : أهو حق , أم يجوز أن يجعل لله شريك في عبادته ؟ أو جاهل يعتقد أن الشرك دين يقرب إلى الله ، وهذا هو الغالب على أكثر العوام لجهلهم وتقليدهم من قبلهم ، لما اشتدت غربة الدين ونسى العلم بدين المرسلين .

    وعن أبي هريرة مرفوعاً : ( قال الله تعالى : أنا أغنى الشركاء عن الشرك , من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه ) رواه مسلم .

    قوله : " وعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً : " قال الله تعالى : أنا أغنى الشركاء عن الشرك . من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه" رواه مسلم .

    قوله : [ من عمل عملاً أشرك فيه غيري ] أي من قصد بعمله غيري من المخلوقين (( تركته وشركه )) .

    ولابن ماجه [ فأنا منه بريء وهو للذي أشرك ] قال الطيبي : الضمير المنصوب في قوله : (( تركته )) يجوز أن يرجع إلى العمل .

    قال ابن رجب رحمه الله : واعلم أن العمل لغير الله أقسام : فتارة يكون رياء محضاً كحال المنافقين . كما قال تعالى (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴿142﴾ ) [ النساء ] وهذا الرياء المحض لا يكاد يصدر عن مؤمن في فرض الصلاة والصيام . وقد يصدر في الصدقة أو الحج الواجب أو غيرهما من الأعمال الظاهرة , أو التي يتعدى نفعها ، فإن الإخلاص فيها عزيز ، وهذا العمل لا يشك مسلم أنه حابط ، وأن صاحبه يستحق المقت من الله والعقوبة .

    وتارة يكون العمل لله ويشاركه الرياء ، فإن شاركه من أصله فالنصوص الصحيحة تدل على بطلانه .

    وذكر أحاديث تدل على ذلك منها : هذا الحديث , وحديث شداد بن أوس مرفوعاً ( من صلى يرائي فقد أشرك ، ومن صام يرائي فقد أشرك ، ومن تصدق يرائي فقد أشرك ، وإن الله عز وجل يقول : أنا خير قسيم لمن أشرك بي ، فمن أشرك بي شيئاً فإن جدة عمله وقليله وكثيره لشريكه الذي أشرك به . أنا عنه غني ) رواه أحمد .

    وذكر أحاديث في المعنى , ثم قال : فإن خالط نية الجهاد مثلاً نية غير الرياء ، مثل أخذ أجرة للخدمة أو أخذ شيء من الغنيمة أو التجارة , نقص بذلك أجر جهاده , ولم يبطل بالكلية .

    قال ابن رجب : وقال الإمام أحمد رحمه الله : التاجر والمستأجر والمكري أجرهم على قدر ما يخلص من نياتهم في غزواتهم ، ولا يكونون مثل من جاهد بنفسه وماله لا يخلط به غيره .

    وقال أيضاً فيمن يأخذ جعل الجهاد : إذا لم يخرج لأجل الدراهم فلا بأس كأنه خرج لدينه إن أعطي شيئاً أخذه .

    وروي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : ( إذا أجمع أحدكم على الغزو فعوضه الله رزقاً فلا بأس بذلك ، وأما إن كان أحدكم أعطي دراهم غزا وإن لم يعط لم يغز , فلا خير في ذلك ) .

    وروي عن مجاهد رحمه الله : أنه قال في حج الجمال وحج الأجير ، وحج التاجر ( هو تام لا ينقص من أجرهم شيء ) أي لأن قصدهم الأصلي كان هو الحج دون التكسب .

    قال : وأما إن كان أصل العمل لله , ثم طرأ عليه نية الرياء : فإن كان خاطراً ثم دفعه فلا يضره بغير خلاف ، وإن استرسل معه فهل يحبط عمله أم لا , فيجازى على أصل نيته ؟ في ذلك اختلاف بين العلماء من السلف , قد حكاه الإمام أحمد وابن جرير ، ورجحا أن عمله لا يبطل بذلك ، وأنه يجازي بنيته الأولى ، وهو مروي عن الحسن وغيره .

    وفي هذا المعنى جاء حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أنه سئل عن الرجل يعمل العمل من الخير يحمده الناس عليه ، فقال : تلك عاجل بشرى المؤمن " رواه مسلم . انتهى ملخصاً .

    قلت : وتمام هذا المقام يتبين في شرح حديث أبي سعيد إن شاء الله تعالى .

    وعن أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعاً : ( ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال ؟ قالوا : بلى يا رسول الله . قال : الشرك الخفي : يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل " رواه أحمد .

    قوله : " وعن أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعاً : ( ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال ؟ قالوا : بلى يا رسول الله . قال : الشرك الخفي : يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل " رواه أحمد " .

    وروى ابن خزيمة في " صحيحه " عن محمود بن لبيد قال : ( خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أيها الناس ، إياكم وشرك السرائر ، قالوا : يا رسول الله وما شرك السرائر ؟ قال : يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر الرجل إليه . فذلك شرك السرائر ) .

    قوله : " عن أبي سعيد " الخدري وتقدم .

    قوله : (( الشرك الخفي )) سماه خفياً لأن صاحبه يظهر أن عمله لله وقد قصد به غيره ، أو شركه فيه بتزيين صلاته لأجله . وعن شداد بن أوس قال : ( كنا نعد الرياء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الشرك الأصغر ) رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الإخلاص ، وابن جرير في التهذيب ، والطبراني والحاكم وصححه .

    قال ابن القيم : وأما الشرك الأصغر فكيسير الرياء والتصنع للخلق والحلف بغير الله ، وقول الرجل للرجل , ماشاء الله وشئت ، وهذا من الله ومنك ، وأنا بالله وبك ، وما لي إلا الله وأنت ، وأنا متوكل على الله وعليك ، ولولا الله وأنت لم يكن كذا وكذا . وقد يكون هذا شركاً أكبر بحسب حال قائله ومقصده ، انتهى .

    ولا خلاف أن الإخلاص شرط لصحة العمل وقبوله ، وكذلك المتابعة ، كما قال الفضيل بن عياض رحمه الله في قوله تعالى : ( ليبلوكم أيكم أحسن عملاً ) [ الملك : 2 ] قال : (( أخلصه وأصوبه )) .

    قيل : ياأبا علي , ما أخلصه وأصوبه , قال : إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل , وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل حتى يكون خالصاً صواباً , فالخالص ما كان لله , والصواب ما كان على السنة .

    وفي الحديث من الفوائد : شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته ونصحه لهم ، وأن الرياء أخوف على الصالحين من فتنة الدجال . فإن كان النبي صلى الله عليه وسلم يخافه على سادات الأولياء مع قوة إيمانهم وعلمهم فغيرهم ممن هو دونهم بأضعاف أولى بالخوف من الشرك أصغره وأكبره .


    " فتح المجيد شرح كتاب التوحيد "

    تأليف : المجدد الثاني الشيخ العلامة عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب .

    ــــــــــــــــــ
    [1] رواه البخاري (1252)، ومسلم (926).









    --------------------------------------------------------------------------------

      الوقت/التاريخ الآن هو الثلاثاء مايو 14, 2024 2:12 am