نسائم الرحمة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المنتدى خاص بمراسلاتي للمجموعات


    سھیل بن عمرو

    avatar
    د. عمرو عبد المنعم
    Admin


    المساهمات : 280
    تاريخ التسجيل : 25/05/2010
    الموقع : http://groups.google.com/group/7amel?hl=ar

    سھیل بن عمرو Empty سھیل بن عمرو

    مُساهمة من طرف د. عمرو عبد المنعم الخميس يونيو 03, 2010 9:40 pm

    سھیل بن عمرو
    من الطلقاء الى الشھداء
    عندما وقع أسیرا بأیدي المسلمین في غزوة بدر اقترب عمر بن الخطاب من رسول
    لله صلى لله علیھ وسلم وقال:
    " یا رسول لله.. دعني أنزع ثنیتّي سھیل بن عمرو حتى لا یقوم علیك خطیبا بعد
    الیوم"..
    فأجابھ الرسول العظیم:
    " كلا یا عمر..
    لا أمثل بأحد، فیمثل لله بي، وان كنت نبیا"..!
    ثم أدنى عمر منھ وقال علیھ السلام:
    " یا عمر..
    لعل سھیلا غدا یقف موقفا یسرّك"..!!
    **
    ودارت نبوءة الرسول..
    وتحوّل أعظم خطباء قریش سھیل بن عمرو الى خطیب باھرمن خطباء الاسلام..
    وتحوّل المشرك اللدود.. الى مؤمن أوّاب، لا تكف عیناه من البكاء من خشیة لله..!!
    وتحوّل واحد من كبار زعماء قریش وقادة جیوشھا الى مقاتل صلب في سبیل
    الاسلام.. مقاتل عاھد نفسھ أن یظل في رباط وجھاد حتى یدركھ الموت على ذلك،
    عسى لله أن یغفر ما تقدم من ذنبھ..!!
    فمن كان ذلك المشرك العنید، والمؤمن التقي الشھید..؟؟
    ٢
    **
    انھ سھیل بن عمرو..
    واحد من زعماء قریش البارزین، ومن حكمائھا وذوي الفطنة والرأي فیھا..
    وھو الذي انتدبتھ قریش لیقنع الرسول بالعدول عن دخول مكة عام الحدیبیة..
    ففي أخریات العام الھجري السادس خرج الرسول وأصحابھ الى مكة لیزوروا البیت
    الحرام، وینشؤا عمرة، لا یریدون حربا، ولیسوا مستعدین لقتال..
    وعلمت قریش بمسیرھم الى مكة، فخرجت لتقطع علیھم الطریق، وتصدّھم عن
    وجھتھم..
    وتأزم الموقف، وتوترت الأنفس..
    وقال الرسول لأصحابھ:
    " لا تدعوني قریش الیوم الى خطة یسألونني فیھا صلة الرحم الا أعطیتھم ایاھا"..
    وراحت قریش ترسل رسلھا ومندوبیھا الى النبي علیھ الصلاة والسلام، فیخبرھم
    جمیعا أنھ لم یأت لقتال، انما جاء یزور البیت الحرام، ویعظم حرماتھ:
    وكلما عاد الى قریش أحد مندوبیھا، أرسلوا من بعده آخر أقوى شكیمة، وأشد اقناعا
    حتى اختاروا عروة بن مسعود الثقفي وكان من أقواھم وأفطنھم.. وظنت قریش أن
    عروة قادر على اقناع الرسول بالعودة.
    ولكنھ سرعان ما رجع الیھم یقول لھم:
    " یا معشر قریش..
    اني قد جئت كسرى في ملكھ، وقیصر في ملكھ، والنجاشي في ملكھ..
    واني ولله ما رأیت ملكا قط یعظمھ قومھ، كما یعظم أصحاب محمد محمدا..!!
    ولقد رأیت حولھ قوما لن یسلموه لسوء أبدا..
    فانظروا رأیكم"..!!
    **
    عندئذ آمنت قریش أنھ لا جدوى من محاولاتھا وقررت أن تلجأ الى المفاوضة
    والصلح.. واختارت لھذه المھمة أصلح زعمائھا لھا.. وكان سھیل بن عمرو..
    رأى المسلمون سھیلا وھو مقبل علیھم فعرفوه، وأدركوا أن قریشا آثرت طریق
    التفاھم والمصالحة، ما دامت قد بعثت آخر الأمر سھیلا..
    وجلس سھیل بین یدي الرسول، ودار حوار طویل انتھى بالصلح..
    وحاول سھیل أن یكسب لقریش الكثیر.. وساعده على ذلك، التسامح النبیل والمجید
    الذي كان الرسول علیھ الصلاة والسلام یدیره في التفاوض والصلح..
    ومضت الأیام، ینادي بعضھا بعضا، جتى جاءت السنة الثامنة من الھجرة.. وخرج
    الرسول والمسلمون لفتح مكة بعد أن نفضت قریش عھدھا ومیثاقھا مع رسول لله.
    وعاد المھاجرون الى وطنھم الذین أخرجھم بالأمس كارھین..
    عادوا، ومعھم الأنصار الذین آووھم في مدینتھم وآثروھم على أنفسھم..
    ٣
    وعاد الاسلام كلھ، تخفق في جو السماء رایاتھ الظافرة..
    وفتحت مكة جمیع أبوابھا..
    ووقف المشركون في ذھول.. ترى ماذا سیكون الیوم مصیرھم، وھم الذین أعملوا
    بأسھم في المسلمین من قبل قتلا، وحرقا، وتعذیبا، وتجویعا..؟!
    ولم یشأ الرسول الرحیم أن یتركھم طویلا تحت وطأة ھذه المشاعر المذلة المنھكة.
    فاستقبل وجوھھم في تسامح وأناة، وقال لھم ونبرات صوتھ الرحیم تقطر حنانا
    ورفقا:
    " یا معشر قریش..
    ما تظنون أني فاعل بكم"..؟؟
    ھنالك تقدم خصم الاسلام بالأمس سھیل بن عمرو وقال مجیبا:
    " نظن خیرا، أخ كریم، وابن أخ كریم".
    وتألقت ابتسامة من نور على شفتي حبیب لله وناداھم:
    " اذھبوا...
    فأنتم الطلقاء"..!!
    لم تكن ھذه الكلمات من الرسول المنتصر لتدع انسانا حيّ المشاعر الا أحالتھ ذوبا
    من طاعة وخجل، بل وندم..
    وفي نفس اللحظة استجاش ھذا الموقف الممتلئ نبلا وعظمة، كل مشاعر سھیل بن
    عمرو فأسلم رب العالمین.
    ولم یكن اسلامھ ساعتئذ، اسلام رجل منھزم مستسلم للمقادیر.
    بل كان كما سیكشف عنھ مستقبلھ فیما بعد اسلام رجل بھرتھ وأسرتھ عظمة محمد
    وعظمة الدین الذي یتصرّف محمد وفق تعالیمھ، ویحمل في ولاء ھائل رایتھ
    ولواءه..!!
    **
    أطلق على الذین أسلموا یوم الفتح اسم الطلقاء.. أي الذین نقلھم عفو الرسول من
    الشرك الى الاسلام حین قال لھم:
    " اذھبوا فأنتم الطلقاء"
    بید أن نفرا من أولئك الطلقاء جاوزوا ھذا الخط باخلاصھم الوثیق، وسموا الى آفاق
    بعیدة من التضحیة والعبادة والطھر، وضعتھم في الصفوف الأولى بین أصحاب
    النبي الأبرار ومن ھؤلاء سھیل بن عمرو.
    **
    لقد صاغھ الاسلام من جدید.
    وصقل كل مواھبھ الأولى، وأضاف الیھا، ثم وضعھا جمیعا في خدمة الحق، والخیر،
    والایمان..
    ٤
    ولقد نعتوه في كلمات فقالوا:
    " السّمح، الجواد..
    كثیر الصلاة، والصوم، والصدقة، وقراءة القرآن، والبكاء من خشیة لله"..!!
    وتلك ھي عظمة سھیل.
    فعلى الرغم من أنھ أسلم یوم الفتح، لا قبلھ، نراه یصدق في اسلامھ وفي یقینھ، الى
    مدى الذي یتفوّق فیھ على كل نفسھ، ویتحوّل الى عابد، زاھد والى فدائي مجاھد في
    سبیل لله والاسلام.
    ولما انتقل الرسول الى الرفیق الأعلى، لم یكد النبأ یبلغ مكة، وكان سھیل یومئذ مقیما
    بھا، حتى غشي المسلمین ھناك من الھرج والذھول ما غشي المسلمین بالمدینة.
    واذا كان ذھول المدینة، قد بدّده أبو بكر رضي لله عنھ ساعتئذ بكلماتھ الحاسمة:
    " من كان یعبد محمد، فان محمدا قد مات..
    ومن كان یعبد لله، فان لله حيّ لا یموت"..
    فسیأخذنا العجب حین نرى سھیلا رضي لله عنھ ھو الذي وقف بمكة، نفس موقف
    أبي بكر بالمدینة.
    فقد جمع المسلمین كلھم ھناك، ووقف یبھرھم بكلماتھ الناجعة، یخبرھم أن محمدا كان
    رسول لله حقا.. وأنھ لم یمت حتى أدّى الأمانة، وبلّغ الرسالة. وأنھ واجب المؤمنین
    بھ أن یمعنوا من بعده السیر على منھجھ.
    وبموقف سھیل ھذا، وبكلماتھ الرشیدة وایمانھ الوثیق، درأ الفتنة التي كادت تقلع
    ایمان بعض الناس بمكة حین بلغھم نبأ وفاة الرسول..!!
    وفي ھذا الیوم أكثر من سواه تألقت نبوءة رسول لله صلى لله علیھ وسلم.
    ألم یقل لعمر یوم استأذنھ في نزع ثنیتي سھیل أثناء أسره ببدر:
    " دعھا فلعلھا تسرك یوما"..؟!
    ففي ھذا الیوم.. وحین بلغ المسلمین بالمدینة موقف سھیل بمكة وخطابھ الباھر الذي
    ثبت الایمان في الأفئدة، تذكر عمر بن الخطاب نبوءة الرسول.. وضحك طویلا، اذ
    جاء الیوم الذي انتفع فیھ الاسلام بثنیتي سھیل اللتین كان عمر یرید تھشیمھما
    واقتلاعھما..!!
    **
    عندما أسلم سھیل یوم الفتح.
    وبعد أن ذاق حلاوة الایمان، أخذ على نفسھ عھدا لخصھ في ھذه الكلمات:
    " ولله لا أدع موقفا من المشركین، الا وقفت مع المسلمین مثلھ... ولا نفقة أنفقتھا مع
    المشركین الا أنفقت مع المسلمین مثلھا، لعل أمري أن یتلو بعضھ بعضا"..!!
    ولقد وقف مع المشركین طویلا أمام أصنامھم..
    فلیقف الآن طویلا وطویلا مع المؤمنین بین یدي لله الواحد الأحد.
    وھكذا راح یصلي.. ویصلي..
    ٥
    ویصوم.. ویصوم..
    ولا یدع عبادة تجلو روحھ، وتقربھ من ربھ الأعلى الا أخذ منھا حظا وافیا..
    وكذلك كان في أمسھ یقف مع المشركین في مواطن العدوان والحرب ضد الاسلام.
    فلیأخذ الآن مكانھ في جیش الاسلام، مقاتلا شجاعا، یطفئ مع كتائب الحق نار فارس
    التي یعبدونھا من دون لله، ویحرقون فیھا مصایر الشعوب التي یستعبدونھا. ویدمدم
    مع كتائب الحق أیضا على ظلمات الرومان وظلمھم..
    وینشر كلمة التوحید والتقوى في كل مكان.
    وھكذا خرج الى الشام مع جیوش المسلمین، مشاركا في حروبھا.
    ویوم الیرموك حیث خاض المسلمون موقعة تناھت في الضراوة والعنف
    والمخاطرة..
    كان سھیل بن عمرو یكاد یطیر من الفرح، اذ وجد ھذه الفرصة الدسمة لكي یبذل من
    ذات نفسھ في ھذا الیوم العصیب ما یمحق بھ خطایا جاھلیتھ وشركھ..
    **
    وكان یحب وطنھ مكة حبا ینسیھ نفسھ..
    ومع ذلك، فقد أبى أن یرجع الیھا بعد انتصار المسلمین بالشام وقال:
    " سمعت رسول لله صلى لله علیھ وسلم یقول: مقام أحدكم في سبیل لله ساعة، خیر
    لھ من عملھ طوال عمره..
    واني لمرابط في سبیل لله حتى أموت، ولن أرجع الى مكة"..!!
    **
    ووفى سھیل عھده..
    وظل بقیّة حیاتھ مرابطا، حتى جاء موعد رحیلھ، فطارت روحھ مسرعة الى رحمة
    من لله ورضوان..
    سلام على سھیل بن عمرو
    سلام علیھ في محیاه، وأخراه..
    وسلام.. ثم سلام على سیرتھ وذكراه..
    وسلام على الكرام البررة.. أصحاب رسول لله صلى لله علیھ وسلم

      الوقت/التاريخ الآن هو الثلاثاء مايو 14, 2024 8:52 pm