نسائم الرحمة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المنتدى خاص بمراسلاتي للمجموعات


    زید بن حارثة

    avatar
    د. عمرو عبد المنعم
    Admin


    المساهمات : 280
    تاريخ التسجيل : 25/05/2010
    الموقع : http://groups.google.com/group/7amel?hl=ar

    زید بن حارثة Empty زید بن حارثة

    مُساهمة من طرف د. عمرو عبد المنعم السبت يونيو 05, 2010 2:50 pm

    زید بن حارثة




    وقف رسول لله صلى لله علیھ وسلم یودع جیش الاسلام الذاھب لملاقاة الروم في
    غزوة مؤتة ویعلن أسماء أمراء الجیش الثلاثة، قائلا:
    " علیكم زید بن حارئة.. فان أصیب زید فجعفر بن أبي طاب.. فان أصیب جعفر،
    فعبدلله بن رواحة".
    فمن ھو زید بن حارثة"..؟؟
    من ھذا الذي حمل دون سواه لقب الحبّ.. حبّ رسول لله..؟
    أما مظھره وشكلھ، فكان كما وصفھ المؤرخون والرواة:
    " قصیر، آدم، أي أسمر، شدید الأدمة، في أنفھ فطس"..
    أمّا نبؤه، فعظیم جدّ عظیم..!!
    **
    أعدّ حارثة أبو زید الراحلة والمتاع لزوجتھ سعدى التي كانت تزمع زیارة أھلھا في
    بني معن.
    وخرج یودع زوجتھ التي كانت تحمل بین یدیھا طفلھما الصغیر زید بن حارثة،
    وكلما ھمّ أن یستودعھما القافلة التي خرجت الزوجة في صحبتھا ویعود ھو الى داره
    وعملھ، ودفعھ حنان خفيّ وعجیب لمواصلة السیر مع زوجتھ وولده..
    لكنّ الشقّة بعدت، والقافلة أغذّت سیرھا، وآن لحارثة أن یودّع الولید وأمّھ، ویعود..
    وكذا ودّعھما ودموعھ تسیل.. ووقف طویلا مسمرا في مكانھ حتى غابا عن بصره،
    وأحسّ كأن قلبھ لم یعد في مكانھ.. كأنھ رحل مع الراحلین..!!
    ٢
    **
    ومكثت سعدى في قومھا ما شاء لله لھا أن تمكث..
    وذات یوم فوجئ الحيّ، حي بني معن، باحدى القبائل المناوئة لھ تغیر علیھ، وتنزل
    الھزیمة ببني معن، ثم تحمل فیما حملت من الأسرى ذلك الطفل الیفع، زید بن
    حارثة..
    وعادت الأم الى زوجھا وحیدة.
    ولم یكد حارثة یعرف النبأ حتى خرّ صعقا، وحمل عصاه على كاھلھ، ومضى یجوب
    الدیار، ویقطع الصحارى، ویسائل القبائل والقوافل عن ولده وحبّة قلبھ زید، ، وحادیا
    ناقتھ بھذا الشعر الذي راح ینشده من بدیھتھ ومن مآقیھ:
    بكیت على زید ولم ادر ما فعل
    أحيّ فیرجى؟ أم أتى دونھ الأجل
    فولله ما أدري، واني لسائل
    أغالك بعدي السھل؟ أم غالك الجبل
    تذكرینھ الشمس عند طلوعھا
    وتعرض ذكراه اذا غربھا أفل
    وان ھبّت الأرواح ھیجّن ذكره
    فیا طول حزني علیھ، ویا وجل
    **
    كان الرّق في ذلك الزمان البعید یفرض نفسھ كظرف اجتماعي یحاول أن یكون
    ضرورة..
    كان ذلك في أثینا، حتى في أزھى عصور حریتّھا ورقیھّا..
    وكذلك كان في روما..
    وفي العالم القدیم كلھ.. وبالتالي في جزیرة العرب أیضا..
    وعندما اختطفت القبیلة المغیرة على بني معن نصرھا، وعادت حاملة أسراھا،
    ذھبت الى سوق عكاظ التي كانت منعقدة أنئذ، وباعوا الأسرى..
    ووقع الطفل زید في ید حكیم بن حزام الذي وھبھ بعد أن اشتراه لعمتھ خدیجة.
    وكانت خدیجة رضي لله عنھا، قد صارت زوجة لمحمد بن عبدلله، الذي لم یكن
    الوحي قد جاءه بعد. بید أنھ كان یحمل كل الصفات العظیمة التي أھلتھ بھا الأقدار
    لیكون غدا من المرسلین..
    ووھبت خدیجة بدورھا خادمھا زید لزوجھا رسول الھ فتقبلھ مسرورا وأعتقھ من
    فوره،وراح یمنحھ من نفسھ العظیمة ومن قلبھ الكبیر كل عطف ورعایة..
    ٣
    وفي أحد مواسم الحج. التقى نفر من حيّ حارثة بزید في مكة، ونقلوا الیھ لوعة
    والدیھ، وحمّلھم زید سلامھ وحنانھ وشوقھ لأمھ وأبیھ، وقال للحجّاج من قومھ"
    " أخبروا أبي أني ھنا مع أكرم والد"..
    ولم یكن والد زید یعلم مستقر ولده حتى أغذّ السیر الیھ، ومعھ أخوه..
    وفي مكة مضیا یسألان عن محمد الأمین.. ولما لقیاه قالا لھ:
    "یا بن عبدالمطلب..
    یا بن سیدّ قومھ، أنتم أھل الحرم، تفكون العاني، وتطعمون الأسیر.. جئناك في ولدنا،
    فامنن علینا وأحسن في فدائھ"..
    كان الرسول صلى لله علیھ وسلم یعلم تعلق زید بھ، وكان في نفس الوقت یقدّر حق
    ابیھ فیھ..
    ھنالك قال الرسول صلى لله علیھ وسلم:
    "ادعوا زیدا، وخیّروه، فان اختاركم فھو لكم بغیر فداء.. وان اختارني فولله ما أنا
    بالذي أختار على من اختارني فداء"..!!
    وتھلل وجھ حارثة الذي لك یكن یتوقع كل ھذا السماح وقال:
    " لقد أنصفتنا، وزدتنا عن النصف"..
    ثم بعث النبي صلى لله علیھ وسلم الى زید، ولما جاء سألھ:
    " ھل تعرف ھؤلاء"..؟
    قال زید: نعم.. ھذا أبي.. وھذا عمّي.
    وأعاد علیھ الرسول صلى لله علیھ وسلم ما قالھ لحارثة.. وھنا قال زید:
    " ما أنا بالذي أختار علیك أحدا، أنت الأب والعم"..!!
    وندیت عینا رسول لله بدموع شاكرة وحانیة، ثم أمسك بید زید، وخرج بھ الى فناء
    الكعبة، حیث قریش مجتمعة ھناك، ونادى الرسول:
    " اشھدوا أن زیدا ابني.. یرثني وأرثھ"..!!
    وكاد قلب حارثة یطیر من الفرح.. فابنھ لم یعد حرّا فحسب، بل وابنا للرجل الذي
    تسمّیھ قریش الصادق الأمین سلیل بني ھاشم وموضع حفاوة مكة كلھا..
    وعاد الأب والعم الى قومھما، مطمئنین على ولدھما والذي تركاه سیدّا في مكة، آمنا
    معافى، بعد أن كان أبوه لا یدري: أغالھ السھل، أم غالھ الجبل..!!
    **
    تبنىّ الرسول زیدا.. وصار لا یعرف في مكة كلھا الا باسمھ ھذا زید بن محمد..
    وفي یوم باھر الشروق، نادى الوحي محمدا:
    ( اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الانسان من علق، اقرأ وربك الأكرم الذي علم
    بالقلم، علمّ الانسان ما لم یعلم)...
    ثم تتابعت نجاءاتھ وكلماتھ:
    ٤
    ( یا أیھا المدثر، قم فأنذر، وربكّ فكبّر)...
    (یا أیھا الرسول بلغّ ما أنزل الیك من ربك، وان لم تفعل فما بلغّت رسالتھ، ولله
    یعصمك من الناس، ان لله لایھدي القوم الكافرین)...
    وما ان حمل رسول لله صلى لله علیھ وسلم تبعة الرسالة حتى كان زید ثاني
    المسلمین.. بل قیل انھ كان أول المسلمین...!!
    **
    أحبّھ رسول لله صلى لله علیھ وسلم حبا عظیما، وكان بھذا الحب خلیقا وجدیرا..
    فوفاؤه الذي لا نظیر لھ، وعظمة روحھ، وعفّة ضمیره ولسانھ ویده...
    كل ذلك وأكثر من ذلك كان یزین خصال زید بن حارثة أو زید الحبّ كما كان یلقبھ
    أصحاب رسول لله علیھ الصلاة والسلام..
    تقول السیّدة عائشة رضي لله عنھا:
    " ما بعث الرسول صلى لله علیھ وسلم في جیش قط الا أمّره علیھم، ولو بقي حیاّ بعد
    رسول لله لاستخلفھ...
    الى ھذا المدى كانت منزلة زید عند رسول لله صلى لله علیھ وسلم..
    فمن كان زید ھذا..؟؟
    انھ كما قلنا ذلك الطفل الذي سبي، ثم بیع، ثم حرره الرسول وأعتقھ..
    وانھ ذلك الرجل القصیر، الأسمر، الأفطس الأنف، بید أنھ أیضا ذلك الانسان جمیل
    القلب حر الروح..
    ومن ثم وجد لھ في الاسلام، وفي قلب رسول لله صلى لله علیھ وسلم أعلى منزلة
    وأرفع مكان، فلا الاسلام ولا رسولھ من یعبأ لحظھ بجاه النسب، ولا بوجاھة
    المظھر.
    ففي رحاب ھذا الدین العظیم، یتألق بلال، ویتألق صھیب، ویتألق عمار وخباّب
    وأسامة وزید...
    یتألقون جمیعا كأمراء، وقادة..
    لقد صحح الاسلام قیم الحیاة حین قال في كتابھ الكریم:
    ( انّ أكرمكم عند لله أتقاكم)...
    وفتح الأبواب والرحاب للمواھب الخیّرة، وللكفایات النظیفة، الأمینة، المعطیة..
    وزوّج رسول لله صلى لله علیھ وسلم زیدا من ابنة عمتھ زینب، ویبدو أن زینب
    رضي لله عنھا قد قبلت ھذا الزواج تحت وطأة حیائھا أن ترفض شفاعة رسول لله
    صلى لله علیھ وسلم، أو ترغب بنفسھا عن نفسھ..
    ولكن الحیاة الزوجیة أخذت تتعثر، وتستنفد عوامل بقائھا، فانفصل زید عن زینب.
    وحمل الرسول صلى لله علیھ وسلم مسؤولیتھ تجاه ھذا الزواج الذي كان مسؤولا عن
    امضائھ، والذي انتھى بالانفصال، فضمّ ابنة عمتھ الیھ واختارھا زوجة لھ، ثم اختار
    لزید زوجة جدیدة ھي أم كلثوم بنت عقبة..
    ٥
    وذھب الشانئون یرجفون في المدینة: كیف یتزوّج محمد مطلقة ابنھ زید؟؟
    فأجابھم القرآن مفرّقا بین الأدعیاء والأبناء.. بین التبني والبنوّة، ومقررا الغاء عادة
    التبني، ومعلنا:
    ( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم، ولكن رسول لله، وخاتم النبین).
    وھكذا عاد لزید اسمھ الأول:" زید بن حارثة".
    **
    والآن..
    ھل ترون ھذه القوات المسلمة الخارجة الى معارك، الطرف، أو العیص، وحسمي،
    وغیرھا..
    ان أمیرھا جمیعا، ھو زید بن حارثة..
    فھو كما سمعنا السیدة عائشة رضي لله عنھا تقول:" لم یبعثھ النبي صلى لله علیھ
    وسلم في جیش قط، الا جعلھ أمیرا على ھذا الجیش"..
    حتى جاءت غزوة مؤتة..
    كان الروم بأمبراطوریتھم الھرمة، قد بدأوا یوجسون من الاسلام خیفة..بل صاروا
    یرون فیھ خطرا یھدد وجودھم، ولا سیما في بلاد الشام التي یستعمرونھا، والتي
    تتاخم بلاد ھذا الدین الجدید، المنطلق في عنفوان واكتساح..
    وھكذا راحوا یتخذون من الشام نقطة وثوب على الجزیرة العربیة، وبلاد الاسلام...
    **
    وأدرك رسول لله صلى لله علیھ وسلم ھدف المناوشات التي بدأھا الروم لیعجموا
    بھا عود الاسلام، فقرر أن یبادرھم، وأرسل زید في ثلاثة آلاف رجل إلى أرض
    البلقاء بالشام، حتى اذا بلغوا تخومھا لقیتھم جیوش ھرقل من الروم ومن القبائل
    المستعربة التي كانت تقطن الحدود..
    ونزل جیش الروم في مكان یسمّى مشارف..
    في حین نزل جیش الاسلام یجوار بلدة تسمّى مؤتة، حیث سمّیت الغزوة باسمھا...
    **
    كان رسول لله صلى لله علیھ وسلم یدرك أھمیة ھذه الغزوة وخطرھا فاختار لھا
    ثلاثة من الرھبان في اللیل، والفرسان في النھار..
    ثلاثة من الذین باعوا أنفسھم فلم یعد لھم مطمع ولا أمنیة الا في استشھاد عظیم
    یصافحون اثره رضوان لله تعالى، ویطالعون وجھھ الكریم..
    وكان ھؤلاء الثلاثة وفق ترتیبھم في امارة الجیش ھم:
    ٦
    زید بن حارثة،
    جعفر بن أبي طالب،
    عبدلله بن رواحة.
    رضي لله عنھم وأرضاھم، ورضي لله عن الصحابة أجمعین...
    وھكذا رأینا رسول لله صلى لله علیھ وسلم عندما وقف یودّع الجیش یلقي أمره
    السالف:
    " علیكم زید بن حارثة..
    فان أصیب زید، فجعفر بن أبي طالب،...
    فان أصیب جعفر، فعبدلله بن رواحة"...
    وعلى الرغم من أن جعفر بن أبي طالب كان من أقرب الناس الى قلب ابن عمّھ
    رسول لله صلى لله علیھ وسلم..
    وعلى الرغم من شجاعتھ، وجسارتھ، وحسبھ ونسبھ، فقد جعلھ رسول لله صلى لله
    علیھ وسلم الأمیر التالي لزید، وجعل زیدا الأمیر الأول للجیش...
    وبمثل ھذا، كان الرسول صلى لله علیھ وسلم یقرر دوما حقیقة أن الاسلام دین جدید
    جاء یلغي العلاقات الانسانیة الفاسدة، والقائمة على أسس من التمایز الفارغ الباطل،
    لینشئ مكانھا علاقات جدیدة، رشیدة، قوامھا انسانیة الانسان...!!
    **
    ولكأنما كان رسول لله صلى لله علیھ وسلم یقرأ غیب المعركة المقبلة حین وضع
    امراء الجیش على ھذا الترتیب: زید فجعفر، فابن رواحة.. فقد لقوا ربھّم جمیعا وفق
    ھذا الترتیب أیضا..!!
    ولم یكد المسلمون یطالعون جیش الروم الذي حزروه بمائتي ألف مقاتل حتى أذھلھم
    العدد الذي لم یكن لھم في الحسبان..
    ولكن متى كانت معارك الایمان معارك كثرة..؟؟
    ھنالك أقدموا ولم یبالوا.. وأمامھم قائدھم زید حاملا رایة رسول لله صلى لله علیھ
    وسلم، مقتحما رماح العدو وسیوفھ، لا یبحث عن النصر، بقدر ما یبحث عن
    المضجع الذي ترسو عنده صفقتھ مع لله الذي اشترى من المؤمنین أنفسھم وأموالھم
    بأن لھم الجنة.
    لم یكن زید یرى حوالیھ رمال البلقاء، ولا جیوش الروم بل كانت روابي الجنة،
    ورفرفھا الأخضر، تخفق أمام عینیھ كالأعلام، تنبئھ أن الیوم یوم زفافھ..
    وكان ھو یضرب، ویقاتل، لا یطوّح رؤوس مقاتلیھ، انما یفتح الأبواب، ویفضّ
    الأغلاق التي تحول بینھ وبین الباب الكبیر الواسع، الذي سیدلف منھ الى دار السلام،
    وجنات الخلد، وجوار لله..
    ٧
    وعانق زید مصیره...
    وكانت روحھ وھي في طریقھا الى الجنة تبتسم محبورة وھي تبصر جثمان صاحبھا،
    لا یلفھ الحریر الناعم، بل یضمخّھ دم طھور سال في سبیل لله..
    ثم تتسع ابتساماتھا المطمئنة الھانئة، وھي تبصر ثاني الأمراء جعفرا یندفع كالسھم
    صوب الرایة لیتسلمھا، ولیحملھا قبل أن تغیب في التراب....
    سلام على زید بن حارثة..
    سلام علیھ في محیاه، وأخراه..
    وسلام.. ثم سلام على سیرتھ وذكراه..
    وسلام على الكرام البررة.. أصحاب رسول لله صلى لله علیھ وسلم.

      الوقت/التاريخ الآن هو الثلاثاء مايو 14, 2024 11:30 pm